سورة لقمان - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)}
وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر ما قبلها هو أن الله تعالى لما قال: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرءان مِن كُلّ مَثَلٍ} [الروم: 58] إشارة إلى كونه معجزة وقال: {وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِئَايَةٍ} [الروم: 58] إشارة إلى أنهم يكفرون بالآيات بين ذلك بقوله: {الم* تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} ولم يؤمنوا بها، وإلى هذا أشار بعد هذا بقوله: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا ولى مُسْتَكْبِراً} [لقمان: 7].


{هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
فقوله: {هُدًى} أي بياناً وفرقاناً، وأما التفسير فمثل تفسير قوله تعالى: {الم * ذلك الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى} [البقرة: 1 و2] وكما قيل هناك إن المعنى بذلك هذا، كذلك قيل بأن المراد بتلك هذه، ويمكن أن يقال كما قلنا هناك إن تلك إشارة إلى الغائب معناها آيات القرآن آيات الكتاب الحكيم وعند إنزال هذه الآيات التي نزلت مع {الم * تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} لم تكن جميع الآيات نزلت فقال تلك إشارة إلى الكل أي آيات القرآن تلك آيات، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال في سورة البقرة {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] ولم يقل الحكيم، وهاهنا قال: {الحكيم} [لقمان: 2] فلما زاد ذكر وصف الكتاب زاد ذكر أمر في أحواله فقال: {هُدًى وَرَحْمَةً} وقال هناك {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] فقوله: {هُدًى} في مقابلة قوله: {الكتاب} وقوله: {وَرَحْمَةً} في مقابلة قوله: {الحكيم} ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذي الحكم كقوله تعالى: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] أي ذات رضا.
المسألة الثانية: قال هناك {لّلْمُتَّقِينَ} وقال هاهنا {لّلْمُحْسِنِينَ} لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئاً آخر قال: {لّلْمُتَّقِينَ} أي يهتدي به من يتقي الشرك والعناد والتعصب، وينظر فيه من غير عناد، ولما زاد هاهنا رحمة قال: {لّلْمُحْسِنِينَ} أي المتقين الشرك والعناد الآتين بكلمة الإحسان فالمحسن هو الآتي بالإيمان والمتقي هو التارك للكفر، كما قال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] ومن جانب الكفر كان متقياً وله الجنة، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسناً وله الزيادة لقوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ولأنه لما ذكر أنه رحمة قال: {لّلْمُحْسِنِينَ} لأن رحمة الله قريب من المحسنين.
المسألة الثالثة: قال هناك {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة} [البقرة: 3] وقال هاهنا {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} ولم يقل يؤمنون لما بينا أن المتقي هو التارك للكفر ويلزمه أن يكون مؤمناً والمحسن هو الآتي بحق الإيمان، ويلزمه أن لا يكون كافراً، فلما كان المتقي دالاً على المؤمن في الالتزام صرح بالإيمان هناك تبييناً ولما كان المحسن دالاً على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان وقوله تعالى: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} قد ذكرنا ما في الصلاة وإقامتها مراراً وما في الزكاة والقيام بها، وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد فإنها عبادة صورة وحقيقة والله تعالى تجب له العبادة ولا تجوز عليه العبادة، وترك التشبه لازم على العبد أيضاً في أمور فلا يجلس عند جلوسه ولا يتكئ عند اتكائه، والزكاة تشبه بالسيد فإنها دفع حاجة الغير والله دافع الحاجات، والتشبه لازم على العبد أيضاً في أمور، كما أن عبد العالم لا يتلبس بلباس الأجناد، وعبد الجندي لا يتلبس بلباس الزهاد، وبهما تتم العبودية.


{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)}
لما بين أن القرآن كتاب حكيم يشتمل على آيات حكمية بين من حال الكفار أنهم يتركون ذلك ويشتغلون بغيره، ثم إن فيه ما يبين سوء صنيعهم من وجوه:
الأول: أن ترك الحكمة والاشتغال بحديث آخر قبيح الثاني: هو أن الحديث إذا كان لهواً لا فائدة فيه كان أقبح الثالث: هو أن اللهو قد يقصد به الإحماض كما ينقل عن ابن عباس أنه قال أحمضوا ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «روحوا القلوب ساعة فساعة» رواه الديلمي عن أنس مرفوعاً ويشهد له ما في مسلم يا حنظلة ساعة وساعة والعوام يفهمون منه الأمر بما يجوز من المطايبة، والخواص يقولون هو أمر بالنظر إلى جانب الحق فإن الترويح به لا غير فلما لم يكن قصدهم إلا الإضلال لقوله: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} كان فعله أدخل في القبح.
ثم قال تعالى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} عائد إلى الشراء أي يشتري بغير علم ويتخذها أي يتخذ السبيل هزواً أولئك {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} قوله: {مُّهِينٌ} إشارة إلى أمر يفهم منه الدوام، وذلك لأن الملك إذا أمر بتعذيب عبد من عبيده، فالجلاد إن علم أنه ممن يعود إلى خدمة الملك ولا يتركه الملك في الحبس يكرمه ويخفف من تعذيبه، وإن علم أنه لا يعود إلى ما كان عليه وأمره قد انقضى، فإنه لا يكرمه. فقوله: {عَذَابٌ مُّهِينٌ} إشارة إلى هذا وبه يفرق بين عذاب المؤمن وعذاب الكافر، فإن عذاب المؤمن ليطهر فهو غير مهين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8